recent
Articles récents

نظريات التعلم: النظرية الجشطلتية

 

نظرية التعلم الجشطلتية 



يعتبر مفهوم الجشطلت gestalt الأصل في تسمية هذه المدرسة السيكولوجية، ويعني في أصله الدلالي في اللغة الألمانية المجال الكلي، ويعرفه Wertheimer في كتابه (الفكر المنتج ص: 23) أنه: "كل مترابط الأجزاء بانتظام، بحيث تكون الأجزاء المكونة له في ترابط دينامي فيما بينها ومع الكل ذاته في نفس الوقت" وعلى المستوى السيكومعرفي يتحدد الجشطلت، باعتباره المجال الكلي للتعلم أو للإدراك: (ظاهرة، حركة فيزيائية، مقطوعة موسيقية مشهد...) الذي يقع عليه الإدراك كحقل إجمالي، والقاعدة الأصل في الجشطلت هي البنيات المكونة له، وهي بدورها تشكل من عناصر مرتبطة فيما بينها بقوانين داخلية تحكمها ديناميا ووظيفيا. 

1 - نظرية التعلم الجشطلتية الأسس السيكومعرفية 

إن سيكولوجيا التعلم الجشطلتية تحدد التعلم في عملية الكشف عن الصيغ التنظيمية التي تحكم بنية موضوع التعلم، وبالتالي تفعيل آلية الاستبصار أي الفهم التحليلي المؤدي إلى إدراك قوانين ترابط أجزاء موضوع التعلم وصيغ اشتغالها الوظيفي، ويمكن أن نحصر الأسس السيكومعرفية لهذه النظرية فيما يلي: 

1. إن تحقيق التعلم حسب منظور الجشطليين يقتضي الوعي بموضوع التعلم كبنية تنظيمية لها عناصر ومكونات تحكمها ترابطات وعلاقات، ولها اشتغال وظيفي خاص. 

2. إن بناء التعلم يقتضي الوعي بمجال المكونات والعناصر المشكلة لبنية موضوع التعلم (اللغة، الرياضيات، العلوم...). 

3. إن سيرورة التعلم والاكتساب مقترنه بتحقيق الاستبصار insight أي الفهم العميق للموضوع أو للوضعية المشكلة، وبالتالي الانتقال من وضعية تكون فيها مكونات بنية موضوع التعلم بالنسبة للتلميذ غامضة، متناقضة، لا معنى لها إلى وضعية تصبح فيها العلاقات بين مكونات وضعية التعلم وموضوعه ذات معنى وقابلة للفهم. 

4. تتحدد عملية التعلم وأنشطته في ممارسات اكتسابية يقوم فيها المتعلم بالكشف عن المبادئ التنظيمية التي تحكم مجال وبنيات ومكونات وعناصر موضوع التعلم. 

5. تبنى عمليات التعلم وأشكال تدبيرها على جعل المتعلم يشتغل على موضوع التعلم من أجل إعادة هيكلته وتنظيمه ومن ثم تتغير إدراكات المتعلم. 

6. كل سيرورة تعليمية يشتغل فيها المتعلم على موضوع التعلم ويعيد تحليل عناصر الظاهرة يحاول فهم العلاقات البنيوية والوظيفية التي تحكمها وتنتهي بتجاوز المتعلم لأشكال الغموض وعدم الفهم وبالتالي تحقيق الاستبصار. 

7. لا يقترن التعلم وتحقيق الاستبصار بأي تعزيز خارجي ولا بأي تراكم آلي للاستجابات السلوكية النمطية، بل إن تحقيق الاستبصار هو التعزيز الداخلي الذي يدعم ويركز ويثبت التعلمات. 

2-نظرية التعلم الجشطلتية: الوظائف البيداغوجية 


يرى الجشطلتيون أنه على المدرسين أن يفهموا بأن كل سيرورة اكتسابية أو نشاط تعلمي يقوم به الطفل المتعلم أو أي تلميذ هو نشاط سيكومعرفي تحليلي لموضوع التعلم ينبني على مقوم الإدراك، ويكون هدفه هو استكشاف بنية الموضوع ومكوناته وإعادة تنظيم عناصره بهدف تحقيق الاستبصار الذي يعني الانتقال من الكل إلى الجزء (التحليل التفكيكي) ثم بناء المعنى بالانتقال من الجزء إلى الكل. 

ويمكن أن نحصر المقاربة البيداغوجية للجشطلتية فيما يلي: 

1. يقترح الجشطلتيون على المدرسين تجاوز المقاربات الديدكتيكية المبنية على الهيكلة المنهجية للمضمون الدراسي، والابتعاد عن التلقين أو بناء الوحدات السلوكية عبر متلازمة (استجابة -منبه/مثير) والاكتساب المبني على الاستجابات النمطية المنفصلة عن بعضها البعض. 

2. إن البيداغوجيا المنتجة لا تشغل عند التعلم عمليات الحفظ التحكمي عبر التخزين الذاكري بالمعاودة والتكرار، لأن هذه السيرورة لا تعطي التعلم الحقيقي. 

3. إن الاستبصار هو شرط للتعلم الحقيقي، لأن بناء المعرفة او اكتساب المهارات والكفايات لا ينتج إلا على أساس إدراك المجال والبنية وفهم المنطق الوظيفي للمكونات. 

4. إن تحقيق الفهم والإدراك العميق والاستبصار، يفرض على المدرس جعل المتعلم في وضعية اكتسابية تتم فيها عمليتي التفكيك والمادة البنينة لمكونات موضوع التعلم، وهذا ما يجعل المتعلم يتعرف على المبادئ الأساسية، وعلى اشتغالها الوظيفي وبالتالي يكون دور المدرس ممثلا في مساعدة المتعلم على تنظيم إدراكاته الحاملة لنظام البناء (في ظاهرة النحو/ الإملاء أو القاعدة الرياضية/ أو الشكل الهندسي/ أو النص الإنشائي...). 

5. كل سيرورة تعلمية تقترن بنتائجها، فنتائج أعمال التلاميذ وسلوكات تعلمهم وأشكال التفكير والاستدلالات التي يوظفونها تترتب عنها إنجازات يقوم بها المتعلمون أنفسهم، كإنتاج تعبير شفوي (عربية-فرنسية) أو كتابي (كتابة حرف جديد) أو إنجاز شكل هندسي، أو نقل قاعدة رياضية إلى تمرين...الخ، هذه النتائج تعتبر حاسمة في تشكيل التعلم أو تعديله وذلك وفقا لتفعيل المدرس للعلاقة بين المتعلم وموضوع التعلم. 

6. إن تمكن المتعلم من المبادئ المنظمة لموضوع التعلم واكتشافه لقوانينها وقواعدها يجعله مؤهلا لنقل هذا التعلم إلى المواقف المتشابهة، فالاستبصار هو فهم المتعلم لجملة الموارد القابلة للنقل إلى وضعيات متشابهة، ولذا يرى الجشطلتيون أن كل تعلم لا يكون غير قابل للنقل إلى الوضعيات المشابهة فهو تعلم سلبي. 

7. لا ينبغي على المدرس أن يقرن التعلمات عند التلاميذ بالحفظ الآلي للمفاهيم والقواعد والمعلومات والمضامين، لأنه غالبا ما يتم نسيانها بشكل سريع مباشرة بعد عملية الحفظ، لهذا ينصح الجشطلتيون بضرورة جعل التعلمات مقترنة بالفهم المتبصر للقواعد والمعلومات والوقائع مما يجعلها أكثر رسوخا في الذاكرة، ويجنب المتعلم العشوائية والسلبية في التعلم. 

8. ترفض الجشطلتية كل أشكال المكافأة والتعزيز الآتية من المدرس اتجاه التلميذ كآلية لبناء التعلم أو تثبيت السلوك المراد بناؤه، لأن هذا الربط الميكانيكي بين استجابات المتعلم التي تبنى خلال سيرورة التعلم وبين آلية التعزيز التي يقوم بها المدرس (قطعة الحلوى، النقطة الحسنة، التعزيز والاستحسان القولي...) كل هذا قد يؤثر سلبا على التعلم، لأن مجرد عدم توفرها يعني انطفاء الاستجابات وعدم تحقق التعلم. 

9. إن تحقيق الاستبصار والتحكم في مكونات الموضوع هو تعزيز في حد ذاته، فتطبيق قاعدة رياضية، والنجاح في إنجاز تمرين، التمكن من بناء شكل هندسي، أو إنجاز إنتاج كتابي هو تعزيز داخلي في حد ذاته، يتميز بالديمومة وخلق الحافزية الداخلية لاستمرار انبناءات تعلمية أخرى، إن الاستبصار هو مكافأة المتعلم. 

10. يرى الجشطلتيون أن التعلمات لا تتم بطريقة عمياء بل إن المتعلم يجب أن يرى ويعرف ويعي كيف وصل إلى هدفه، ولهذا فالتحليل التفكيكي والكشف الاستبصاري لمكونات موضوع التعلم يجب أن يصاحبه الوعي بهذا الاشتغال المعرفي لدى المتعلم وهذا ما يفترض اعتماد بيداغوجيا فعالة متمركزة حول المتعلم (انظر الخطاطة). 

google-playkhamsatmostaqltradent